كتب محمد الدكروري مجلة اخبار الطبيعة
الدكروري يكتب عن الرحمة والرفق بالحيوان " جزء 1"
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إنه خلق عظيم من أخلاق هذا الدين الإسلامي الحنيف وما أعظم هذا الدين وما أعظم أخلاقه، فهو خلق جليل، أثنى به الله عز وجل على رسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالي كما جاء في سورة التوبة " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" إنه خلق الرحمة، وما أجمل هذا الخلق، فمن اتصف به، تراه محبوبا، مقبولا، قريبا من الناس، إنه خلق هذا الدين، وخلق أهل هذا الدين، فجاء هذا الدين سمحا في عباداته، سمحا في أحكامه، فإذا عجزت أن تتوضأ فتيمم، وإن عجزت أن تصلي قائما فصلي قاعدا ولا حرج، وإن عجزت أن تصوم رمضان فاقضي من أيام أخري، أو أطعم عن كل يوم مسكينا، إنه دين سمح إنه دين الإسلام، فما ما أجمل الرحمة، ولقد جعل الله عز وجل دخول الجنة جزاء لكل عمل صالح.
ابتغي الإنسان به وجهه الكريم سبحانه وتعالي وإن من هذه الأعمال الصالحة التي ترضي المولي سبحانه وتعالي هي الرفق بالحيوان وأن الرفق به قد يكون سببا في تجاوز الله عز وجل عن كبائر وقع فيها الإنسان فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به "رواه البخاري ومسلم ، ولم تقتصر النصوص الشرعية على الوصية بحيوان معيّن دون غيره، ولا على الوصية به في وقت خاص، وإنما هي شاملة لكل الحيوانات غير المؤذية، عامة في الأوقات، وقد جاء الشريعة الإسلامية بأحكام عدة تبين حدود التعامل مع الحيوان، وتنطلق من شمول الإسلام وكماله، وتتصف بالرحمة التي تميزت بها هذه الشريعة الغراء، ولقد عرف المسلمون مفهوم الرفق بالحيوان وطبقوه في حياتهم.
في زمان كانت تنتهك فيه حقوق الإنسان، فضلا عن الحيوان بأنواع شتى من الانتهاكات، كالاستعباد، والقهر، والوأد، وغير ذلك، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خُفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له " قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال " نعم في كل ذات كبد رطبة أجر " رواه البخاري ومسلم، والإسلام حرم قتل الحيوان جوعا أو عطشا وحرّم المكث على ظهره طويلا وهو واقف وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة وحرّمت الشريعة التلهي بقتل الحيوان كالصيد للتسلية لا للمنفعة واتخاذه هدفا للتعليم على الإصابة ونهى الإسلام.
عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوشم أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو وأنكر العبث بأعشاش الطيور وحرق قرى النمل ومن الرحمة بالحيوان والطير في هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، بل وتحريم لعنها، وهو أمر لم ترقي إليه البشرية في أي وقت من الأوقات، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال " من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها " رواه أبو داود، واصطاد بعض اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم غزالة في البرية وجاؤوا بها الي المدينة وربطوها الي جانب بيوتهم كي يذبحوها في اليوم التالي.
بقيت الغزالة حزينة لا تدري ما يفعل بها وتتمنى أن تفلت من هذا الأسر لتذهب إلى ولدين لها صغيرين فترضعهما وتطمئن عليهما مرت الدقائق والساعات بطينة متثاقلة، قلبها يخفق وعيونها تدمع، تدفع نفسها لعل هذا الحبل ينقطع فتنطلق مسرعة إلى صغيريها، ولكن هيهات لا أحد يدري بحالها ولا يعبأ، وفجأة أطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفته واندفعت نحوه لكن الحبل منعها، ولما اقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شكت إليه قائلة يا رسول الله إن لي خشفين صغيرين ولدين، في البرية جائعين، أرجوك يا رسول الله أن تستأذن صاحبي لي فأذهب حتى أرضع صغيري وأعود إلى مكاني، ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام الغزالة المربوطة، وسأل عن صاحبها، فجاء الرجل حالا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفك قيدها كي تذهب إلى ولديها فترضعهما ثم تعود إليه.
فقال الرجل ومن يضمن لي أنها ستعود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أضمن لك ذلك " فحل الرجل رباطها حالا، فانطلقت تعدو إلى كناسها أي بيتها، فوجدت خشفيها حزينين جائعين فأرضعتهما واطمأنت عليهما ثم عادت أدراجها إلى المدينة، فوقفت بجانب الحبل فربطها صاحبها متعجبا من صنيعها، وما هي إلا لحظات حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فراها مربوطة فسأل صاحبها أن يبيعها له، فقال بل أهبها لك يا رسول الله، فأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم وأطلقها، رحمة بها ويصغارها، فانطلقت تعدو إلى صغارها شاكرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم.
تعليقات
إرسال تعليق