كتب محمد الدكروري مجلة أخبار الطبيعة
الدكروري يكتب عن مفرق الجماعات الموت " جزء 1"
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
يعيش الإنسان في هذه الدنيا حياة طويلة مليئة بالاختبارات والإبتلاءات والفتن وكل ذلك ليري الله عز وجل عبادة وينظر إلي أعمالهم، وقيل أن الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه دخل مسجد الكوفة يوما وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد أمسك بغلتي فأخذ الرجل لجام البغلة وتركها فخرج الإمام علي من المسجد وفي يده درهمين ليكافئ بهما الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام فركبها ومضى ثم دفع لغلامه قنبر الدرهمين ليشتري بهما لجاما جديدا للبغلة فلما ذهب قنبر إلى السوق وجد اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين فأخبر الإمام علي بذلك فقال الإمام علي رضي الله عنه أردنا أن نعطيه من حلال فأبى إلا أن يأخذه من حرام، وعن أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
"من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة" فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال "وإن كان قضيبا من أراك" رواه مسلم، فاتقوا الله ولتجتنبوا ما حرم ربكم عليكم ونهاكم عنه من المكاسب الخبيثة والأموال المحرمة، ولتقنعوا بما أحل لكم من الطيبات، ففي الحلال الغنية والكفاية والسعادة في الدنيا والآخرة، وإعملموا أن الموت هو تلك الحقيقة التي يوقن بها كل عبد، ويعرف أنه منتهاه إليها لا محالة، طال عمره أم قصر، فلا بد من ساعة الرحيل، وسيسكن ذلك القبر الموحش فقال تعالى "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" فكم من صاحب قريب كنا نأنس بقربه ونستعذب حديثه، هو الآن في ظلمة القبور لقد تخطانا الموت إليه.
ولا بد من ساعة يتخطى غيرنا إلينا، فعلى أي حال سنكون؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم ؟ فلقد خوّفنا الموت بمن أخذ منا ووعظنا بأخذهم أعظم موعظة، وحذرنا أشد تحذير فهل اتعظنا ؟ فما لنا فى كل يوم نشيع غاديا إلى ربه ونرجع وكأن شيئا لم يكن؟ نرجع للغفلة والنسيان وركوب بحر التمني، فإن الموت وعد صادق، وحاكم عادل، وكفى به مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهادما للذات، وقاطعا للأمنيات، فهل تفكرت في يوم مصرعك وانتقالك من سعة إلى ضيق وقد فارقت الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك وغطائك ولين لحافك، وغطوك بالتراب؟ فيا من جمعت الأموال وأسرفت على نفسك بالمعاصي والآثام هل أنقذك مالك من الأهوال؟ كلا بل تركته خلف ظهرك وقدمت بأوزارك على الملك الديان، فسبحان من تعزز بالقدرة.
وقهر الجبابرة بالموت فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له أبشر ولي الله برضاه والجنة قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك، واستجاب لمن استغفر لك وقبل ممن شهد لك، وما من ميت يوضع على سريرة فيخطى به ثلاث خطى إلا نادي بصوت يسمعه من يشاء الله، يا أخوتاه، ويا حملة نعشاه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، أترك ما تركت لذريتي، ولا يحملون عني خطيئتي، وأنتم تشيعوني ثم تتركوني، والجبار يخاصمني" فأنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا و جبت له النار، وإنما تثنون على المرء حقا بعد موته وانقطاع أملكم منه فلا ترجونه ولا تخافونه فتجاملونه، والثناء بحسب البينة لا بالأمنية.
فمن أثنيتم عليه بكثرة ذكر الله وطاعته، وحسن معاملته لعباده وإحسانه إلى مستحقه، وكف الأذى عن ليس أهلا له فتلكم الشهادة بالجنة، ومن ذكرتموه بالغفلة عن الذكر وهجران المساجد، والعقوق وقطيعة الرحم والإساءة إلى الجيران وظلم الخلق والجشع وبذاءة اللسان فتلك شهادة له بالنار وثبت في مسند الإمام أحمد وغيره قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون" فالمؤمن المشهود له بالخير، يستريح بالموت من عناء الدنيا وتعبها إلى الجنة وما أعد الله تبارك وتعالى له فيها من كريم المثوبة والرضوان، فإنما يستريح من غفر له وتقبل عمله، وأما الفاجر فإنه إذا مات يفضي إلى السخط والعذاب، ويستريح منه العباد والشجر والدواب.
تعليقات
إرسال تعليق