كتب الاستاذ محمد الدكروري مجلة اخبار الطبيعة
الدكروري يكتب عن الإمام ابن العربي " جزء 2"
بقلم / محمـــد الدكـــروري
وكان واحدا من أعلامها حتى وفاته عام ألف ومائتان وأربعون من الميلاد، كما ذكر أنه مرض في شبابه مرضا شديدا وفي أثناء شدة الحمي رأى في المنام أنه محاط بعدد ضخم من قوى الشر، مسلحين يريدون الفتك به وبغتة رأى شخصا جميلا قويا مشرق الوجه، هجم على هذه الأرواح الشريرة ففرقها ولم يبق منها أي أثر فسأله محيي الدين ابن عربي "من أنت ؟" فقال له الرجل، أنا سورة يس " وعلى أثر هذا استيقظ فرأى والده جالسا إلى وسادته يتلو عند رأسه سورة يس، ثم لم يلبث أن شفي من مرضه، وأتته فكرة أنه معد للحياة الروحية وآمن بوجوب سيره فيها إلى نهايتها، وتزوج بفتاة فارسية تدعى نظام وهي ابنة الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني الذي يعد من كبار شيوخ بلاد فارس في حينها وكانت تعتبر مثالا في الكمال الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية، بل كانت أحد دوافعه إلى الإمعان فيها.
وفي هذه الأثناء كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس التي تعلم فيها سرا مذهب الأمبيذوقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويلات والموروثة عن الفيثاغورية والاورفيوسية والفطرية الهندية وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفى سنة ألف ومائة وواحد وأربعين من الميلاد، ومما لاشك فيه أن استعداده الفطري ونشأته في بيئة دينية وتردده إلى المدارس الرمزية، كل ذلك قد تظافر على إبراز الناحية الروحية عنده في سن مبكرة فلم يكد يتم العقد الثاني من عمره حتى انغمس في أنوار الكشف والإلهام ولم يشارف العشرين حتى أعلن أنه جُعل يسير في الطريق الروحاني، وأنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية وأن عددا من الخفايا الكونية قد تكشفت أمامه وأن حياته سلسلة من البحث المتواصل عما يحقق الكمال لتلك الاستعدادات الفطرية وبقي عاكفا حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من الأسرار.
وأكثر من ذلك أنه حين كان لا يزال في قرطبة قد تكشف له من أقطاب العصور البائدة من حكماء فارس والإغريق كفيثاغورس وأمبيذوقليس وأفلاطون وهذا هو سبب شغفه بالاطلاع على جميع الدرجات التنسكية في كل الأديان والمذاهب عن طريق أرواح رجالها الحقيقين بهئية مباشرة وألف كتاب الفتوحات المكية الذي يمكن تتبع أقواله فيه، ويحكى ان ابن عربي رأى وهو في حالة اليقظة أنه أمام العرش الإلهي المحمول على أعمدة من لهب متفجر ورأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش ويصدر إليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق وينبئه بأنه سيكون هو مرشده السماوي وبأن رفيقا من البشر ينتظره في مدينة فاس وكان ذلك في عام خمسمائة وأربع وتسعين من الهجرة، وفي السنة خمسمائة وخمس وتسعين من الهجرة، كان في غرناطة مع شيخه أبي محمد عبد الله الشكاز، وبدأ رحلاته الطويلة المتعددة الي بلاد الشرق فاتجه واستقر في دمشق.
وكما رحل إلى مكة فاستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل عريق المحتد ممتاز في العقل والعلم والخلق والصلاح والتقى بفتاة تدعي نظام وهي ابنة ذلك الشيخ وقد حباها الله بنصيب موفور من المحاسن الجسمية والميزات الروحية اتخذ منها محيي الدين ابن عربي رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة وأنشأ في تصوير هذا الرمز قصائد سجلها في ديوان ترجمان الأشواق ألفه في ذلك الحين، وفي ذلك الحين في احدي تأملاته رأي مرشده السماوي مرة أخرى يأمره أيضا بتأليف كتابه الجامع الخالد الفتوحات المكية الذي ضمن فيه أهم أرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية، وفي سنة خمسمائة وتسع وتسعين من الهجرة، زار الطائف وفي زيارته إلى بيت عبد الله بن العباس ابن عم رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم استخار الله وكتب رسالة حلية الأبدال لصاحبيه أبي محمد عبد الله بن بدر بن عبد الله الحبشي وأبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني.
وفي سنة ستمائة وواحد من الهجرة، ارتحل الي الموصل حيث جذبته تعاليم الصوفي الكبير علي بن عبد الله بن جامع الذي تلقي لبس الخرقة عن الخضر مباشرة، ثم ألبسها لمحيي الدين ابن عربي بدوره، وفي نفس السنة زار قبر رسول الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم وكما قال "وقد ظلمت نفسي وجئت إلى قبره صلى الله عليه وسلم فرأيت الأمر على ما ذكرته وقضى الله حاجتي وانصرفت ولم يكن قصدي في ذلك المجيء إلى الرسول صلي الله عليه وسلم إلا هذا الهجير" ثم رحل إلى القاهرة، ثم عاد الي مكة وأقام فيها ثلاثة أعوام ثم عاد إلى دمشق وزار قونية بتركيا حيث رحب به أميرها السلجوقي باحتفال بهيج، وتزوج هناك بوالدة صدر الدين القونوي، ثم لم يلبث أن ارتحل الي أرمينيا، ثم رحل الي بغداد والتقى هناك بشهاب الدين عمر السهروردي الصوفي المشهور.
تعليقات
إرسال تعليق