الدكروري يكتب عن قدر الرجل على قدر همته بقلم / محمـــد الدكـــروري(مجله الطبيعة)
الدكروري يكتب عن قدر الرجل على قدر همته
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن أكمل المؤمنين إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع معه المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه، حيث قال صلى الله عليه وسلم " أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " وقال صلى الله عليه وسلم " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " وكما قال صلى الله عليه وسلم قال " إن من خياركم أحسنكم خلقا " وقال تعالى كما جاء في سورة النساء " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما " وكما قال تعالى كما جاء في سورة الأحزاب " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا "
ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه " قدر الرجل على قدر همته" فالهمة العالية تنبت طموحا رفيعا، والطموح الرفيع ينبت نجاحا باهرا، والثقة بالنفس من المقومات الرئيسة لكل من ينشد النجاح، ويمكن تعريفها بأنها "الإيمان بما تملك من قدرات ومواهب وإمكانات، ومن ثم صهر هذه القدرات في بوتقة الحياه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، يوم بدر يتوارى ، فقلت ما لك يا أخي؟ قال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
وعن سليمان بن بلال رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما إنه لابد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ، فمن أَحب اللذة ودوامها، والعيش الطيب، فليجعل لذة الدنيا موصلة إلى لذة الآخرة، بأن يستعين على فراغ قلبه لله، فيخلص في عبادته، ويتناول ما يعرض له من ملذات الدنيا على أساس الاستعانة والقوة على الطاعة والعبادة، لا لمجرد الشهوة والهوى، حتى وإن كان ممن لم يدرك لذات الدنيا وطيباتها.
فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة، ويجاهد في منع نفسه منها بالترك ليستوفيها كاملة في الآخرة، فطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة، وكانت همته لما هناك، وبئس القاطع لمن كانت هي مقصوده وهمته وحولها يدندن، وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة، وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة، ولا شيء أفسد للقلب من التعلق بالدنيا والركون إليها فإن متاعها قليل، ولا تطمعوا بالإقامة فيها فإن البقاء فيها مستحيل، كيف لا والمنادي يناجي كل يوم يا عباد الله، الرحيل، الرحيل، فالموت ما فيه فوت ولا تعجيل، ولا يقبل الفداء ولا التبديل، فلنستعد له فإنه أقرب إلينا من حبل الوريد، وإن أصحاب العقول الراجحة يقارنون بين ملذات الدنيا، وملذات الآخرة، وهنا يرجحون دون أدنى شك الآخرة على الدنيا.
ويستصحبون معهم قطع الأمل في هذه الدنيا، ويحسون أنهم في غربة، وأنهم مسافرون عنها، وعما قليل سيرحلون، وهذا الرحيل إجباري، وليس اختياريا، وإذا وسوس لهم الشيطان، وألقى في روعهم أنهم شباب، وأنهم في صحة وعافية، وبإمكانهم الرجوع إلى الطاعة، والإقبال على الآخرة في سن متأخرة، فإنهم يطردون هذا الوسواس باستحضار الذين رحلوا شبابا، وكهولا وهم الآن تحت الثرى، ومتى وقف المسلم وقفة محاسبة وهو في المقبرة، تذكر من عاش وفاتهم من الصغار والكبار والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، وجزم أنه بعد وقت سيثوى معهم، وهنا لا ينفعه إلا عمله الصالح، فهذا يعطيه دافعا للعمل، وزيادة الطاعة والعبادة، وهنا يتجهز للآخرة بعمل الطاعات إذ لا يدري متى يُنادى عليه بالرحيل، وكلما زاد تعلق العبد المؤمن بالآخرة، خفت روحه وسمت وتلذذت بأنواع العبادة، وزهدت في الدنيا ومتاعها الزائل.
تعليقات
إرسال تعليق